[center]الموروث الثقافي وكيفية المحافظة عليه[/center][b]
[right]يعتبر التراث شكل ثقافي متميز يعكس الخصائص البشرية العميقة الجذور، ويتناقل من جيل إلى آخر ويصمد عبر فترة زمنية متفاوتة نوعيا ومتميزة بيئيا تظهر عليه التغيرات الثقافية الداخلية والعادية ولكنه يحتفظ دائما بوحدة أساسية مستمرة.فالتراث هو انجاز اجتماعي ينتسب إلى الماضي في صوره المختلفة سواء كان دلك علميا أم أدبيا أم فلسفيا أم فنيا وينضوي في ذلك جميع أشكال التعبير الثقافي مادية وغير مادية. لو ألقى المرء نظرة فاحصة على جوانب التراث التي نتغنى بها اليوم لوجد كثيرا منها في طريق التلف والضياع بحيث نسمع عنها ولا نراها وإذا ما رأيناها لا نلبث إلا أن نفقدها وكأنها دنانير تفرمن البنان. وان أي تراث ثقافي في حقيقة الأمر ليس أكثر من إمكان وليس أكثر من قوة كامنة نستطيع أن نبعث فيها روح الامل والحياة و الحركة بالتجديد والتطور. وحتى يصبح التراث حيا موجودا بالفعل يحتاج إلى جهود للكشف عنه و حمايته. و إحيائه وإبرازه، حتى يسري في الوعي الجماعي للناس ويمكنهم من فتح آفاق جديدة لهم والمفهوم الحفاظ على التراث والتي تعني الحماية والمحافظة على الآثار والمعالم والمواقع التاريخية والإبقاء على الشواهد التراثية كما وصلتنا دون تعديل أو تغيير يمس جوهرها أو إتلاف يشوهها والحيلولة دون نهبها وسرقتها وتهريبها، ذلك أن شواهد الماضي كالمواقع الأثرية والمعالم التاريخية الباقية من الأزمان الماضية لا تتزايد أبدا وإنما تناقص باستمرار نتيجة الإتلاف والنهب وحركة التنمية الحديثة التي باتت تصل إلى كل مكان.
وقد يقصد بالحفاظ هو إحياء ذلك التراث باعتباره خلفية لتكويننا الحضاري عن طريق الكشف عنه وصيانته وترميمه وفق الأساليب العلمية أو جمعه وإبرازه والتعريف به ودراسته، وفي مقدمة ذلك كله حصره وتسجيله بحيث يصبح الأثر معروفا مفسرا عمق المفهوم بل في بعض الحالات إعادة توظيفه توظيفا نافعا وتشجيع إعادة إنتاج الجيد منه، إن وعينا بأهمية التراث لا يتأتى إلا بدخولنا العصر والمشاركة في مسيرة ركبه، والأصالة لا تتحقق فعلا إلا من خلال الحداثة، وكلما استوعب المرء معطيات العصر اتخذ طرفا في أسبابه وأحسن مشوار الحداثة الذي يقطعه اكتسب بموازاة ذلك وعيا بذاته وإحساسا بمكانه من الإعراب في هذا العالم.
إن الحديث عن الحفاظ يعني تناول السياسات والتشريعات والخطط والبرامج التي ينبغي أن تضطلع بها الأجهزة المختصة والمؤسسات العلمية والثقافية في مجالات التراث ويعني دلك الحديث عن الجهود غير الحكومية والتعاون الإقليمي والدولي في تطوير الممارسات العلمية والتي تخدم التراث حفاظا وإحياء. ذلك أن الحفاظ على التراث مسؤولية عامة فالتراث ملك الناس كافة وليس لفرد أو فئة هو قطاع عام وليس خاص، ولكنه أيضا ملك عام قد يتقاطع مع الممتلكات الثقافية الخاصة. إن كل فرد أو كل مؤسسة حكومية تتحمل مسؤولية حماية المجتمع البشري وهذا يقتضي تعليم الناس كبارا و صغارا مسؤولية الحفاظ على التراث و مراعاة تطبيق قوانين حماية الآثار والمعالم التاريخية وأنظمتها وتعليماتها وسياساتها.
لقد أصبح الاهتمام بالتراث في صميم رسالة المؤسسات الثقافية والبيئية المحلية والإقليمية والدولية على اعتبار إن التراث الحضاري هو سجل العلاقة البشرية بالعالم وبالانجازات والاكتشافات الماضية وقد تأكد لهذه المؤسسات إن هناك أخطارا تهدد اليوم قسما كبيرا من هذا التراث في البلدان النامية لأسباب عديدة منها التحديث والتنمية، كما أن معدل فقدان هذا التراث آخذ في الازدياد، لذلك عمد المختصون إلى اعتبار الحفاظ مصطلحا عاما لا يفهم إلا بتحديد نوع عملية الحفاظ التي تنبغي أن تقترن به سمو كل حالة من هذه الحالات تسمية خاصة بها تحدد مستوى الحفاظ و مداه.
من أهم الإجراءات التي ينبغي أن تتخذ في سبيل تطبيق القوانين المحلية في حماية التراث وحتى يمكن على على ضوئها تطبيق الاتفاقيات الدولية في استعادة الممتلكات الثقافية و الاستفادة منها هو تسمية الآثار و تسجيله وتوثيقه فبدون أن يكون للأثر اسم أو بطاقة هوية فانه يصعب متابعة المخلفات أو السرقات أو التهريب أو معرفة الآثار والمادة التراثية المفقودة وتسجيل المادة التراثية في السجل الوطني للتراث الثقافي هو من أقوى الأدلة لتثبيت الحيازة العامة لاستعادة مانقل بدون حق إلى ملكية أخرى في الداخل أو في الخارج، أن اسم الأثر في سجل التراث الوطني هو عنوانه و هو دليل هويته وأول خطوة حقيقية في طريق الحفاظ عليه.
[/right][/b]