دور السياحة القروية في التنمية المحلية
تشكل السياحة في العديد من بلدان العالم مصدرا رئيسيا للدخل الذي ترتكز عليه اقتصاديات هذه الدول, بحيث أنها توفر العديد من فرص الشغل. و المغرب كباقي دول العالم يعول على مداخيل السياحة في ميزانيته، ذلك ما نلمسه في سياسته الجديدة حيث أصبح يعطي أهمية كبيرة لهذا القطاع ووضع هدفا لسياسته ألا وهو استقبال عشرة ملايين سائح في أفق 2010 مما سيتيح فرص شغل جديدة يتوقع أن تصل إلى 600000 منصب شغل مباشر و غير مباشر في أفق 2010 .
-I برنامج تثمين الواحات :
وهو برنامج أعلنت عنه الحكومة المغربية سنة 2004 بدعم من برنامج الأمم المتحدة النهائي ((pnud، ومنضمات أخرى غير حكومية تحت إشراف وكالة الجنوب، وهو برنامج يهدف إلى مكافحة التصحر والهجرة والفقر وانقاد وتثمين الواحات وقد استفاد إقليم كلميم الذي يتوفر على إحدى أكبر الواحات بالجنوب من هذا البرنامج، حيت خصصت له تكلفة إجمالية تقدر ب10ملايين درهم، وتعتبر واحتي أسرير وتيغمرت الممتدتين على طول 7 كيلومتر اكبر الواحات المستفيدة من هذا البرنامج ودلك لمواجهة الإختلالات البيئية التي تهدد هاتين الواحتين المتمثلة أساسا في التصحر وتدهور المجال البيئي، والتلوث، وانتشار مرض البيوض في النخيل، وغياب الصيانة، وتشتت الملكية، والهجرة القروية وكدا تراجع مردودية الواحة بشكل عام، كما يهدف هذا البرنامج كذلك إلى تنشيط السياحة البيئية في الواحات، وهده السياحة التي ستساهم في التنمية والحفاظ على الثقافة المحلية والتقليدية بالأساس. والمغزى من هذا هو تطوير السياحة بواسطة ولفائدة السكان المحليين، في إطار منهجية تشاركية تساهم فيها مؤسسات الدعم والجماعة القروية وجمعيات المجتمع المدني والنساء والقطاع الخاص، لدلك تندرج الإستراتيجية وبرامج العمل في السياحة البيئية الواحاتية في إطار تصور يجب أن يساعد فيه كافة المتدخلين لإرساء الهدف الكبير والأساسي المتوخى من هدا البرنامج والمتمثل في تنمية السياحة الواحاتية الصحراوية المندمجة وذات جودة في المجال.
يمر هذا الهدف عبر ثلاثة مراحل، هدف على المدى القصير (على بعد سنة واحدة ) يهدف إلى حماية الواحتين وإعادة تأهيلهما لما لهما من قيمة أيكولوجية وتاريخية وخلق منتوج سياحي بيئي مستدام، وتحسين تربية الماشية وتنمية المنتوج المحلي والحفاظ على التنوع الأركيولوجي بالمنطقة والنهوض بأوضاع المرأة، ثم هدف على المدى المتوسط (في ظرف 3سنوات )، وأخيرا هدف على المدى البعيد (5سنوات) يهدف إلى دعم جاذبية المجال وتقوية الهوية المحلية . بالإضافة إلى تطوير عروض الإقامة ذات الجودة العالية، وأخيرا دعم التسويق المسؤول وعرض هذه الوجهة في الأسواق العالمية والمحلية.
ومن أهداف هدا البرنامج كذلك علاج أثار الإهمال الطويل لأسلوب الحياة والثقافة الصحراوية بعد ازدهار في العصور القديمة مند ما كانت الصحراء طريق للقوافل التجارية و مسار للموجات الهجرة بين الشمال والجنوب.
وقد وفر هدا البرنامج الدعم والتمويل للعديد من المشاريع في الواحات (الفنادق- دور الضيافة- جمعيات). وعموما فهدا البرنامج قام بمشاريع تنموية في الواحة والتي ستنعكس إيجابا على ساكنة المنطقة. حيث أنها وفرت وستوفر فرص شغل جديدة للساكنة المحلية. رغم كل هذه المشاريع و الإنجازات التي جاء بها البرنامج إلا أنها تبقى دون تطلعات الساكتة، خاصة إدا ما علمنا أن المشاريع السياحية المنجزة لم تتجاوز 3 دور للضيافة، لهذا فقطاع السياحة بمنطقة كلميم لازال يعاني من نقص في التجهيزات السياحية بالمقارنة مع مناطق أخرى.
II- إنعكاسات السياحة القروية على المنطقة :
1- إنعكاسات السياحة القروية على اقتصاد المنطقة :
تكتسي السياحة القروية أهمية بالغة في المنظومة الاقتصادية لا تقل أهمية عن القطاعات الإنتاجية الأخرى، حيث تظهر أهميتها في حجم العائدات والمداخل المهمة من العملة الصعبة التي تدرها على خزينة الدولة وعلى المنطقة المستقبلة للسياح، بالإضافة إلى أهمية هذا القطاع في تحريك دواليب الإقتصاد، هذا الأخير سيستفيد أكتر من غيره من القطاعات من خلال ازدهار كل قطاعاته الإقتصادية كالفلاحة والتجارة والخدمات و الصناعة التقليدية، هذه الأخيرة التي يتزايد الإقبال عليها نظرا لما تحمله من مدلولات حضارية وثقافية للمجتمع المضيف. ومن هنا يمكن القول أن الصناعة التقليدية اليوم أصبحت مرتبطة أكتر من أي وقت مضى بازدهار وتطوير القطاع السياحي بالحياة اليومية للسكان المحلين، ويتضح ذلك من خلال الإقبال على اقتناء منتوجات الصناعة التقليدية في المواسم السنوية التي تنظم في الجماعات القروية خاصة في الصيف الذي يعرف توافد عدد مهم من السياح سواءا الأجانب أو المغاربة القاطنين بالخارج. هذا الرواج الذي ينعكس إيجابيا على القطاعات الإقتصادية الأخرى كالفلاحة والتجارة والنقل. هذا ولا ننسى أن بعض الجماعات القروية بكلميم تعتمد بشكل كبير في ميزانيتها على عائدات السياحة ، وإن لم نقل أن هذه العائدات تعتبر من المداخل القارة لميزانية الجماعة، وخير دليل على كلامنا هذا هو جماعة أباينو، فميزانية هذه الجماعة تعتمد بالأساس على مداخيل كراء الحامتين الذي يبلغ 27 ألف درهم ، ثم جماعة تركاوساي التي تفرض رسم على صاحب المخيم السياحي. حيث أنه يؤدي 5 دراهم لليلة عن كل سائح أقام بهذا المخيم السياحي .
2- إنعكاسات السياحة القروية على المجتمع المحلي.
نظرا لضعف البنية التحتية إلى حد الآن في الجماعات القروية المدروسة والراجع بالأساس إلى ضعف الاستثمارات السياحية. فإننا سنقتصر على فرص الشغل المرتبطة بأنشطة سياحية وتأثير المشاريع السياحية على المجتمع.
ففي ما يخص فرص الشغل فمشروع المخيم بوجريف يشغل حوالي 11 فرض من أبناء المنطقة وبشكل رسمي، ويمكن لهذا العدد أن يرتفع حسب الطلب، كما أنه بين الفينة والأخرى يشغل البعض من أبناء المنطقة الذين يملكون السيارات التي يستعملها في نقل السياح الذين لا يملكون وسائل النقل، كما يقوم بكراء الدواب والجمال من أبناء المنطقة حيث أنه ينظم رحلات للسياح على الدواب لاكتشاف سحر وجمالية المنطقة ونفس الشيء تقريبا بالنسبة لواحة أسرير وتيغمرت. فبرنامج تثمين الواحات الذي تدعمه الأمم المتحدة(pnud) قام بإنشاء دور للضيافة لفائدة ساكنة المنطقة، حيث ثم ترميم منازلهم بشكل تقليدي لاستقبال السياح و بالتالي أصبح لأصحاب هذه الدور دخل يمكن أن يصل إلى 4000 درهم في الشهر , هذا بالإضافة إلى تشغيل بعض معطلي المنطقة في توجيه السياح (مرشدين سياحيين)، والبعض الأخر في الفندقية، هذا في انتظار بناء المدرسة الفندقية التي ستؤطر العديد من شباب المنطقة وتوجيههم إلى سوق الشغل، أما بالنسبة لجماعة أباينو، فالمشروع السياحي المهم بالمنطقة المرتبطة بالحامة وباقي المرافق المرفقة لهده الحامة فانه يشغل عددا مهما من أبناء المنطقة والذي يصل عددهم إلى 13 عاملا رسميا ويمكن أن يصلوا في بعض الأحيان إلى 25 عاملا ذلك حسب عدد السياح وطبيعة العمل، أما مخيم بريتادانسي فلا يشغل سوى 4 عمال، هذا بالإضافة إلى بعض المقاهي والمطاعم الذين يشغلون 3 أشخاص في غالب الأحيان، ولكن هؤلاء العمال غير مكونين لهذا فإنهم لا يتقاضون أجرا كبيرا.
وعموما فرغم كل هذه الفرص المتاحة في الشغل والمتوازية مع القطاع السياحي فإنها تبقى غير كافية أمام تزايد العاطلين بالقرى، مما سيزيد من حزام الفقر وانتشار بعض الظواهر الإجتماعية خاصة في فئة الشباب، كالهجرة نحو المدينة أو الهجرة عبر قوارب الموت إلى الضفة الأخرى من أجل البحث عن فرص الشغل، هذا على مستوى فرص الشغل التي توفرها هذه المشاريع، أما في ما يخص تأثير عائدات هذه المشاريع السياحية على المجتمع أو المنطقة بشكل عام فإنها ومما لاشك فيه تؤثر بشكل إيجابي على هذه المنطقة حيث أنه يتم فك العزلة عن هذه القرى وذلك من خلال إصلاح الطرق لتسهيل التواصل وتزويدها بكل الضروريات من الماء الصالح للشرب والكهرباء، كما يتم خلق تعاونيات نسائية (تعاونية الكسكس، و البلغمان... ) وجمعيات مدنية وغالبا ما يتم كل هذا بواسطة عائدات السياحة.
3- انعكاس السياحة القروية على البيئة.
إذا كان للسياحة تأثير إيجابي على اقتصاديات المنطقة ولو كان ذلك بشكل نسبي سواء من الناحية الإقتصادية أو الإجتماعية فهي الأخرى لا تخلو من مضاعفات حركية على النظام البيئي والمشاهد الطبيعية الناتجة عن التيارات السياحية المتوافدة على المنطقة وما يصاحبها من أنشطة يكون لها تأثير مباشر على البيئة، وهي بذلك تهدد جديا النظم الإيكولوجية الهشة كواحات النخيل والجبال والعيون وهذا ما لفت انتباه المشرفين على برنامج الواحات، والذي يهدف إلى تثمين الواحات و ترميمها و العناية بالنخيل و كذا عيون المياه التي أصبحت عرضة للتلوث الناتج عن الإستغلال السلبي للإنسان. هذا بالإضافة إلى إشراك السائح وتوعيته بمخاطر التدهور البيئي وذلك من خلال تنظيم مدارات سياحية لها علاقة بالبيئة، كالمدار السياحي الخاص بالماء، حيث أن السياح ينطلقون من واحة أسرير مشيا على الأقدام بين نخيل الواحة متتبعين مصرف المياه إلى أن يصلوا منبع هذه الثروة المائية لمعرفة طرق و أعراف السقي .
-III المشاكل التي تعاني منها السياحة القروية بكلميم وبعض الحلول المقترحة :
1- المشاكل :
بالرغم من كل ما ذكرناه سالفا، فإن قطاع السياحة بكلميم لا يخلو من مشاكل تعترضه، ومجموعة من العراقيل التي يمكن تلخيصها في ما يلي :
- ضعف البنية الفندقية والتجهيزات السياحية والتي ستؤثر سلبا على الوفدات و ليالي المبيت.
- ضعف البنية التحتية خاصة الطرق التي تؤدي إلى مواطن المنتوج السياحي (القرى).
- غياب وكالات أسفار سياحية متخصصة، حيث أن توزيع السياح بالإقليم تتدخل فيه وكالات أسفار بأكادير.
- غياب الإشهار و التعريف بالمؤهلات و المنتوج السياحي الذي يزخر به الإقليم خاصة وأن الإقليم يتواجد بين قطبين سياحيين كبيرين (وارزازات / أكادير).
- إهمال الجهات المختصة للمآثر التاريخية التي يتوفر عليها الإقليم خاصة وأن السياحة الثقافية الأركيولوجية أصبح لها وزن كبير في السياحة عامة.
- ضعف الإحترافية في الميدان السياحي.
- إنتشار المرشدين السياحيين الغير المرخص لهم و الذين يفتقدون للخبرة المهنية، مما سيؤثر
سلبا على القطاع.
-المشاكل المرتبطة بالعقار) الملكية(
-2الحلول المقترحة :
بالرغم من تشعب المشاكل التي تحول دون تحقيق القفزة النوعية التي تستحقها السياحة القروية بالإقليم، فإن الإرتقاء بهذا القطاع وخلق تنمية اقتصادية بالمنطقة مرتبط بخلق جو من التضامن بين المهنيين و المنعشين و الفاعلين في القطاع و تعبئة جميع مكونات المجتمع و ذلك من خلال :
- توفير البنية التحتية و إنجاز الطرق لتسهيل الوصول إلى المناطق التي تتوفر على المواقع السياحية.
- تهيئة و حماية المواقع الطبيعية وإدماج الواحات في المنتوج السياحي الوطني و الجهوي.
- إحدات بنيات التأطير السياحي لتدبيرالمشاريع السياحية و دعم الاحترافية لتأطير المرشدين السياحيين و تفعيل الشرطة السياحية بالمنطقة.
- بناء مراكز للتكوين الفندقي.
- منح منطقة الواحات بنية تحتية سياحية تتلاءم مع حاجيات الزبناء الملحة .
- استفادة السكان المحليين من التاطير و التكوين لمسايرة التطورات في هذا المجال.
- إدماج الصناعة التقليدية و التجارة بالواحات في تخطيط التنمية الوطنية.
- إعداد خريطة أركيولوجية للمواقع الأثرية تكون بمثابة تهيئ لسياحة دولية، ذلك أن قطاع السياحة الثقافية الأركيولوجية يمثل اليوم الأولوية التي يجب الإعتماد عليها لإحداث ديناميكية تعيد للإقليم حيوية الرواج عبر مسالكه التجارية القديمة.
-
- حماية النقوش الصخرية و المعالم الأثرية، وذلك بالضرب على أيادي المخربين و المهربين لهذا التراث، ولن يأتي ذلك إلا بحماية و خلق محميات تخص بالأساس التراث الأثري.
- بدل مجهود كبير لتحسين البنية التحتية للنقل و المواصلات )خلق مطار دولي، خلق وكالات أسفار سياحية متخصصة(.
- حل المشاكل المرتبطة بالعقار و تشجيع الاستثمار في القطاع السياحي.