بقلم : مهتم
بين الفرجة والاحتفال......
يعتبر الزواج ظاهرة ذات شأن وبعد كبيرين في حياة الإنسان وتطور المجتمع وهو نظام اجتماعي، يتصف بقدر من الاستقرار والامتثال للمعايير الاجتماعية، سواء في الماضي أو الحاضر، ويفرض الزواج على غالبية أفرادها.
والزواج يخضع لنواميس وقوانين لها أبعاد اجتماعية نفسية واقتصادية، تحمل دلالات وقيم ثقافية، تعكس طبيعة كل جماعة إنسانية، وخصوصية كل مجتمع، ولهذا كان الاهتمام به لفهم واقع المجتمعات وتفسير آليات تطورها وأساليب حياتها، لذلك أحاطت كل المجتمعات الإنسانية قضية الزواج بعناية خاصة فوضعت له قوانين وشروط خاصة، وجعلت له عادات وقيم ذات أبعاد اجتماعية، وثقافية، تختلف باختلاف المجتمعات والعصور، فهو يختلف في أشكاله والوسائل والطرق التي يتم بها، وفق الأغراض التي يحققها، وفي الحقوق والواجبات المترتبة عنه. والزواج في ثقافة المجتمع الصحراوي بالمغرب يتسم بسمات تميزه وتطبعه بطابع خاص، وتتجلى تلك السمات في خضوع الزواج لعادات اجتماعية معينة تتضمن قيما خاصة يتمسك بها الصحراويين تمسكا شديدا.1 ويمر عبر مراحل سنحاول قدر الإمكان الغوص فيها،وتتبعها عبر تراتبيتها.
الخطوبــــة : ( ربــــط الكـــــلام)
عندما تكتمل أنوثة الفتاة ويبلغ الفتى سن الصيام( يعود بوصوم) يصبحان محور انشغال العائلة، مما يدفع كل من الأب والأم إلى البحث عن الزوجة أو الزوج المناسبين...
وقد يتم زواج الفتاة في سن مبكرة جدا لدى أهل البدو الصحراويين، إذ تحدد كخطيبة وهي لا زالت صبية صغيرة ( تيشيرت) بوضع إمارة بيدها ( رشمة، خيط من الصوف...) أو فشة، أو فشيش ( تسمى فشيشة لكران). (2)
أو قد يشاهد الشاب الفتاة في حفل زواج أو في أي مكان آخر فتنال إعجابه فيرغب الاقتران بها، تذهب الأم صحبة أختها أو بعض قريباتها طالبة يد الفتاة، وبعد الموافقة والتراضي بين الطرفين، يذهب أهل الفتى لزيارة أهل الفتاة بشكل رسمي لصرف نظر الآخرين عنها حاملين معهم( ذبيحة، سكر، وبعض الملابس الصحراوية التقليدية،... ) ويتم تحديد موعد الزواج .
عقــد القـــران وقــراءة الفاتحـــة:
من المعلوم أن بعض العادات في الزواج عند أهل الصحراء البدو قد تختلف من قبيلة إلى أخرى لكن يبقى الجميل هو التمسك العميق بجوهرها. فعقد القران وقراءة الفاتحة قد يكون يوم " الدفع" إذا كان الاتفاق المسبق حول المهر، وقد يكون ليلة قبل الزفاف.
يتكلف أهل العروس بإعداد وجبة العشاء لأن إجراءات العقد ستتم داخل خيمتهم تحت إشراف ( الطالب) وهو شيخ حافظ لكتاب الله بحضور أولياء أمر العريس وبعض رجال ( الفريك) (*) كشهود. يتم وضع شروط معينة بين العائلتين يجب الالتزام بها من قبيل ( لا ترحل الفتاة عن أهلها إلا بعد عام...) وعادة ما يتسامح في هذه الشروط، بعدها يخوض الحضور في التفاوض حول مقدار المهر، ويكون من الإبل نظرا لكون المجتمع الصحراوي رعوي. فليس هناك عدد ثابت ومحدد في مقدار المهر، فهو يختلف باختلاف العائلات ومكانتها الاجتماعية وقد يصل إلى 40 من الإبل، فيها المقدم والمؤخر. أحيانا قد يتساهل والد العروس في مقدار المهر خصوصا إذا كان العريس من الأقارب ويكون العكس إذا كان من قبيلة أخرى.
وقد يفشل الزواج في أحيان أخرى بسبب تشدد والد الفتاة في مقدار المهر
وبعد التراضي بين الطرفين يشرع ( الطالب) في قراءة الفاتحة، لتطلق إحدى النساء ثلاثة زغاريد تشهيرا بالعرس. ليبدأ الاستعداد لاحتضان الحفل الرسمي في اليوم الثاني.3
ج- الدفـــــوع :
يأتي أهل العريس على الجمال في موكب جماهيري حاشد حاملين معهم كل المتطلبات التي تم الاتفاق عليها ( الإبل، مواد غذائية، ملابس نسائية، عطور، مواد الزينة...) إلى " لفريك" حيث أهل العروس في انتظارهم. وعند وصولهم تعلو الزغاريد والأهازيج الشعبية من قبيل:
بسم الله باش بدينـــــا وعليك يا محمد صلينـــــا
لكينا ليك لعلامـــــــة(*) لمينا لمـــــة لمسامـــــة
جايين وشاكين لقبيلــة واعدين الخيمة لكبيــرة
أثنائها يتم ( تكاليع البند) وهو عبارة عن قماشين أبيض وأسود دأب الصحراويين على ممارسة هذه العادة عند التقاء أهل العريس والعروس حيث تتنافس المجموعتين حول أيهما يفوز به مصحوبا بنوع من اللعب والمرح قصد الترفيه.
بعيدا عن الخيام تبنى خيمة العرس ( خيمة الرك) حيث تختار أكبر خيمة وتبنى على أرض مستوية قاسية احتراما لكبار السن، حتى يأخذ الحضور الحرية في الغناء والرقص...
تتكلف بعض النساء بتجهيز الخيمة، حيث تبنى في الجانب الساحلي منهــا ( بنية بيضة) (**) ويوضع فيها ( الرحل) وهذا المكان يخصص للعريس وعروسه، أما الجانب الثاني من الخيمة فهو للرجال والنساء ولا تخلو الخيمة من أدوات الشاي حيث هو أنيس الجماعة.4
د- تجهيــــز العروسيـــــن:
في المجتمع الحساني يتم تجهيز العروسين استعدادا لليلة الدخلة، وعادة تكون هذه التجهيزت تقليدية، تستمد طابعها الصحراوي المحلي.
يستحم العريس ( مولاي ) ويرتدي ملابسه التقليدية التي تكون من ( دراعتين ) إحداهما بيضاء والأخرى زرقاء ( وسروال العرب) من قماش ( الشكة) وبلغة (كرك) ولثام ويتعطر بالأمساك الطيبة.
أما العروس فتتولى تجهيزها إحدى قريباتها أو خادم تكلفها والدة العروس. تستحم هذه الأخيرة وتقوم بظفر شعرها وتزيينها بأجمل الحلي، وبعدها ترتدي ملابس تقليدية تتكون من ( ملحفة) سوداء من قماش ( النيلة)، و(إيزار) من قماش ابيض لكي تظهر عليه علامات فض البكارة، وترتدي بلغة ( كرك) لونها أحمر. ونجد قريباتها يرددن في حزن بعض الأهازيج الشعبية استعداد لفراق الابنة التي ستودع حياة العزوبة.
يا خيتي لبــس الريحيــة يعطيك المال والذرية ( الأبناء )
يا خيتي لبـــس لباســـك يعملك مباركة(*) على ناســك
ويرددن أيضا:
يا لعــــروس تعشـــــاي سابك(**) ما جا لعريس
كومي درك(***) تمشـاي والصبح يجيك دريـس (****)
هـ - ليلة الدخلــــة ( التـــــرواح) :
عادة في ليلة الدخلة، يتوافد على خيمة العرس الناس على اختلاف أعمارهم، ومن أماكن بعيدة، وهم يرتدون الزي الصحراوي الأصيل لمشاركة أهل العريسين أفراحهم، وهو مناسبة لجمع الشمل وفض الخلافات والترويح عن النفس.
يتم ترواح العريس برفقة أصدقائه في موكب يتقدمه " لوزير" وعند وصولهم إلى خيمة العرس، يدور بها الموكب ثلاثة مرات إعلانا منهم عن بداية حياة جديدة حيث تعلو الزغاريد والأهازيج :
ألا هي أنشــأ الله عريس الخير يــا الله
وللإشارة، فقد جرت العادة عند الصحراويين، أن العريس ليلة الدخلة لا يتكلم مع أي أحد إلا بعد فض بكارة العروس خوفا من ( كبيظ الظهر)، حيث ينوب عنه " لوزير " في كل شيء.
ويتكلف بعض أصدقاء العريس بالذهاب إلى خيمة أهل العروس لحملها للعريس، لكن العروس تهرب إلى خيمة أخرى صحبة إحدى صديقاتها ، فينهمك أصدقاء العريس في البحث عنها حتى يجدونها، فيتكلف أحدهم بحملها، وعادة ما يكون من المقربين إليها.
وفي طريقهم إلى خيمة العرس تجد أهل العريس يرددون:
هدي الصيدة(*) صيدناها ومنت (**) تفكراشت ديناها
زيدي علينا باقدامـــــك يجعل البراكة كدامك ( أمامك)
ويرد عليهم أهل العروس :
ما نجوكم ما جبناهــا يا مات اللوايا (***) الســـود
راشكات البند وراها(****) ساريات(*****) والناس ركود (******)
وعند اقترابهم من خيمة العرس، يتقدم العريس ليحملها ويدخلها الخيمة، لكن قد يتعرض له بعض الشباب ويدخلون في عراك معه محاولين انتزاعها منه وهذا يعرف بـ ( تكليع العروس)، ويقوم العريس بضربهم بالسوط (الخزامة) ليدخلها إلى المكان المخصص لهما، محاولة الهروب منه تعبيرا عن حشمتها، ليخرج الجميع تاركا العريس ينفرد بعروسه. وفي الخارج تعلو الزغاريد، ويتحلق البعض حول( الطبل) في جو احتفالي بهيج، فيما البعض الآخر من الفضوليين يتجسس على العريسين، وإذا تفطن هذا الأخير فإنه يقوم بطردهم بمساعدة الوزير. وقد يقوم المشاغبون بإسقاط الخيمة أو الهروب بسرواله، كل هذا يأتي في سيان اللعب.
وعند الانتهاء من فض بكارة العروس تطلق إحدى النساء الزغاريد ليدخل الجميع لتهنيئ العريسين.
وفي هذه الأثناء يتم ( ربيط الكدرة) خاصة عند قبيلة أيتوسى وقبائل ثكنا بعدها يتفرق الجميع تاركين العريسين.
وفي صبيحة اليوم الثاني تتولى إحدى قريبات العريس بتحضير الشاي، حيث تجلس العروس إلى جانب العريس وهي ترتدي قماش أبيض تظهر عليه علامات فض البكارة وهذا دليل على أن المجتمع الحساني يولي أهمية قصوى لعذرية الفتاة.
يحج الرجال والنساء لتهنئة العريس وطلب العادة وقد يردد البعض:
يا لعريس عطينا عادتنا وألا نولو فمنيتنا5
والعادة عبارة عن التمر والحلوى، وبعض الفواكه الجافة يقوم بتوزيعها على الحاضرين، كما يقوم البعض بمس رأس العريس كفأل خير عليه ليحدو حدوه.
و- الكصعــــــة:
هي احتفال بالبكارة، خاص بالنساء، حيث تتكلف أم العروس بإعداد الفطور وحمله من طرف النساء وهم يرددن الزغاريد ومجموعة أهازيج شعبية، وبعد وصولهم إلى خيمة العرس ينسحب العريس وأصدقائه ليتركوا العروس صحبة النساء، حيث سيتم تناول " العيش" بشكل جماعي وهو أكلة من ( الدشيشة ) أو ( الأرز). يخصص صحن للعروس تتوسطه ( النكعة) وهي حفرة تملأ بالسمن والعسل وتنظر فيها العروس إلى أن ترى وجهها. تأخذ ثلاثة لقم لترمي بهم وراء ظهرها، تتسابق النساء لالتقاط إحداهم لأنهن يعتقدن بأنها تفيد تزويج الفتيات والمطلقات.
ويردد النساء:
يا بوها كيف لعمامــــــــة وراه الطفيلة ما هي حشمانــــة
يا دوك لكنتو تلومــوهــــا تعالو اليــــوم تشوفـــــــوهــــا
وجباي أجباي يا لحمامــة وإلى جبيتي مانـــك حشمانــــة
وقبة لحرير ومغطاهــــــا واجباها يا العارف معناهـــــــا
غزيتي إلين كومتي مالــك إلين فرحتي بيــــه رجالـــــــك
سريتي يا خيتي وبكرتــي وإيزارك زوين وغزيتـــــــــي
يا طفيلة كولي شبغيتـــــي وايزارك زين وغزيتـــــــــــي6
يراد بهذه الترديدات التنويه بالعروس والاعتزاز بها لأنها حافظت على شرفها وشرف الأسرة.
وتستمر ليالي الاحتفال بالعرس الصحراوي التقليدي سبعة أيام بالنسبة للبكر، وثلاثة بالنسبة للتيب، ويوم واحد بالنسبة لعريسين سبق لهما الزواج .
وخلال هذه الليالي يحج الناس من كل صوب وحذب، حيث تأتي الفتيات غير المتزوجات ( بارزات ) أي في كامل زينتهن، من اجل لفت نظر وإعجاب الرجال. وأثنائها يستمر الغناء والرقص، حيث يتكلف من له صوت جميل بإنشاد الأغاني الشعبية الصحراوية من " ألهول"
و" لشوار" و"تربط الكدرة" خاصة عند قبائل ثكنا. ويكون العرس فضاء لتباري الشعراء في مدح العريسين أو مغازلة الفتيات.
ز- الرحيــــــل:
بعد نهاية احتفالات حفل الزفاف تنهمك عائلة العروس في تجهيز خيمة ابنتهم، وتختلف مدة الإعداد فهي قد تطول، أو تقصر حسب الحالة المادية للأسرة من جهة، وحسب الاتفاق المسبق بين الطرفين من جهة ثانية، وعادة ما تكون المدة عام أو أكثر أو أقل.
أثناء الرحيل يخصص جمل عليه ( المسامة) مجهز بأحسن تجهيز لتركب عليه العروس، كما يجهز الجمل الذي سيركب عليه الزوج وتوضع عليه ( الراحلة) إضافة إلى جمل أو جملين لحمل الخيمة وباقي تجهيزاتها.
ويرافقها أحد أفراد العائلة في الرحلة، أو يمنح والد العروس " خادم لخدمتها إذا كان ميسور الحال.
ويستقبل أهل العريس العروس بحفاوة كبيرة حيث تذبح رؤوس الغنم احتفالا بقدومها وترحيبا بها. ليبدأ الزوجين حياتهم الزوجية العادية التي تخضع لثقافة المجتمع الحساني والمستوحاة من الظروف الطبيعية، والاجتماعية التي تتميز بها حياة البدو.
ونخلص هنا، بان الزواج في المجتمع الحساني مؤسسة اجتماعية، تتخللها احتفالات تتأسس على قيم خاصة، يتمسك بها الصحراويين حتى النخاع، رغم دخول أنماط جديدة في حياتهم، خصوصا وقد توطن السكان واستقروا في بعض المدن والقرى، بدلا من حياة الترحال والتنقل المستمر أثناء فترة البداوة، والسكن في المباني، بدلا من الخيام، واستعمال أدوات تكنولوجية جديدة مثل: السيارات كبديل عن الجمل