مفهوم التاريخ من خلال مساره وتطوره
ادا كان التصور التاريخي على انه علم ومنهج هو تصور حديث قريب العهد منا فان التاريخ من حيث هو سجل العصور او الداكرة التي تحفظ اخبارها او قديم قدم توصل الانسان الى صناعة الكتابة وبتعبير اخر ادا كان القصد هو دراسة الخطاب الذي انتجه الانسان حول ماضيه فان هذا الخطاب خضع لتطور عبر العصور ميز منه المهتمون 3 مراحل كبرى:
1- مرحلة الحضارات القديمة او مرحلة الفكر الاسطوري.
تميزت هذه الحضارة بطغيان الفكر الغيبي وارتباط الحياة بالمعابد حيث توجد الالهة فكانت تفهم الحياة وتفسر احداثها بمالها من علاقة بإرادة الالهة من هنا لم تسجل هذه المرحلة اهتماما واضحا او تصورا للتاريخ وما تخلف عنها يتضمن كثيرا من الخوارف او من الاساطير حيث تختلط اعمال البشر بأبطال الالهة .هذه المرحلة التي تخرج عن نطاق تاريخ الوعي بداته او التاريخ المكتوب والتي تحكى عن طريق الرواية الشفوية في شكل اساطير ، هذه الاخيرة الى اي حد تعكس الواقع الذي عاشه الانسان؟ ام هي مجرد خرافات؟ الا ان التطور الذي حصل في المعرفة الانسانية والمنهجية المعتمدة اظهر ان هناك علاقة بالرواية التاريخية في بدايتها والاسطورة او مايقابلها لان هذه الاخيرة ههي صورة من صور التعبير عن اوضاع تاريخية معينة .ومن ثم فإمكانية استغلال المؤرخ للأسطورة قائمة لكن المشكل الذي يطرح المؤرخ هو مشكل تفسير هذه الاسطورة كيف نشأ الفكر التاريخي في بلاد اليونان لدرجة دفع المؤرخين الى الاقرار ان بداية التاريخ بمفهومه الحديث انطلق من اليونان .ان الدراسات التي تناولت هذا الموضوع لم تأتي بجواب مقنع فهناك من الباحثين من يرى هذا التطور في مفهوم التاريخ عند الاغريق مرده الى ماعرفه القرن الخامس قبل الميلاد من نهضة ثقافية عما جاءت كثورة ضد الفكر السابق (الفكر الاسطوري) الذي كان فكرا ميثولوجيا من ثم فإن هذا القرن الخامس الذي شكل عصر نهضة ثقافية شملت الكتابة التاريخية عند اشهر مؤرخين الاغريق وهما هيرودوت وتيوسيديدس فالأول جمع اخباره متنقلا لدى من كان يستمع اليهم أو من كان يراه ودون ذلك في كتاب سماه "التواريخ" وموضوعه الرئيسي الحروب ، فكان بذلك اول من كتب في التاريخ بشكل منظم وهادف فجاءت الكتابة عنده متميزة باتجاه عقلي اي بتفسير خاضع للعقل لربطه بما خضع له الجنس البشري عكس ماكان سائدا قبله لتفسير مرتبط بالالهة والمعابد ويبقى ان ماكتبه هيرودوت ان سمع من افواه من حكايات واحداث واساطير سانده على علته دون تعليل او تفسير. اما تيو سيديدتس فقد جاءت نظرته للتاريخ الاكثر تطورا من تلك التي كانت معاصرة فمع تيوسيديدتس سندخل في فترة التاريخ المبني على التحقق من المصادر والتقصي العقلاني للتسلسل السببي .ولقد ابان عن الحروب البيلومترية بين اثينا ولسبارثا. ان اهم مايميز كتابة تيوسيديدس او تيوسيديدتس هو استنادها الى الوثيقة ومحاولة التحقق بما يقوم عن طريق نفقد الروايات اعتمادا على العقل ، ومن ثم فإدا كان هيرودوت يحكي ويسرد دون تفسير فإن تيوسيديدتس يفسر ويعلل وكلاهما في اطار استطلاع الواقعة التي هي من صنع الانسان.
اما عند الرومان فلم تكن لهم اصالة المؤرخين الاغريق فمع ذلك فكتابتهم التاريخية دات اتجاه انساني لا دخل للقوى الغيبية فيه نظرا لغيبة النزعة العملية على كتابة التاريخ الروماني.
2-مرحلة التفسير الديني للتاريخ.
-ماهو نوع التفسير الذي ساد خلال هذه المرحلة؟ وماهو التصور الذي اصبح عند كتاب التاريخ لمهنته؟ وماهي العوامل والظروف التي تحكمت في التفسير الديني للتاريخ؟
-2-1- عند المسيحيين: اول مايجب الاشارة اليه ظهور المسيحية كديانة سماوية وانتشارها كان له اثر عميق في نواحي الحياة في هذه المرحلة ومنها صناعة المؤرخ .فقد كان لانتصار هذا الدين على الديانات الوثنية تأثير بالغ في انسان الحقبة .فقد نبدت الثقافة الوثنية باعتبارها من عمل الشيطان وحامت الشكوك حول التفكير العقلاني الذي سبق وظهر عند اليونان الى اي حد اثرت هذه المستجدات في كتابة التاريخ وتصور انسان هذه الحقبة للتاريخ؟ لقد انحصر التعلم والثقافة في مؤسسات الدين الجديد اي في الكنيسة ورجال الدين فغدا بدلك هؤلاء كتابا للتاريخ ومن تم صار هذا الاخير خاضعا للاهوت مسخرا له ونوع التاريخ الدي اصبح ينتج هو تاريخ القديسين وتاريخ الكنيسة مشحون بالخوارف والمعجزات ومن احداثه هو المشيئة الالهية لذلك جاءت استغرافية العصور الوسطى وقد غاب دور الانسان والعقل في صنع التاريخ هكدا احتكر رجال الدين الكتابة التاريخية فللتاريخ طابعا دينيا من حيث تفسيره الالهي وموضوعه الديني وهدفه ااخلاق كل دلك ناتج عن النظرة الجديدة التي جاءت بها المسيحية في موضوع سيرورة الانسان اد كسرت النظرة القديمة القائمة على الدورة التاريخية لتفرض نظرة خطية مستقيمة للتاريخ فهذا الاخير يبدأ بالخليطة ويتضمن حدثا رئيسيا وهو ظهور السيد المسيح وهو يتجه نحو النهاية .ان المسيحية ترى في الزمن الذي يعيشه الانسان تحقيقا لهدف ومخطط غايته خلاص البشرية وتعتبر بذلك لاهوتا في خدمة التاريخ.
فالتاريخ بهذه الصفة له مغزى وهدف معين وبدلك يكون الفكر المسيحي قد وجه الفكر العمومي الى طرح مسألة تطور البشرية، وهو ما شكل موضوع الطرح المسيحي في الكتابة التاريخية بل هذا النوع قد اتخد عند بعض اللاهوت المسيحيين طابعا يهوديا وهو مانجده عند القديس "اوغستين" في كتابه المشهور مدينة اإله حيث طرح غوامض التاريخ او ماينظر عليه انه نوع من فلسفة التاريخ.
-2-2- اما عند المسلمين ان الاسلام الدي غير مصير قبائل وشعوب عديدة قد جاء بنظرة جديدة فهو دين تاريخي بطبعه رغم ان القرآن الكريم ماهو الا كتاب جاء لهداية الناس لكننا نجد في بعض ثنايا آياته وسوره ماله علاقة بالتاريخ ومنها نشأة الخلق بتعبير آخر نعثر على اشارات للأمم السابقة لكن تبقى نغزى هذه الاحداث بهدف تربوي اخلاقي اي للعبرة والموعظة ومن تم فإن القرآن الكريم يعطينا اجمالا بعض ملامح الرؤية التاريخية .فالتاريخ عند المسلمين نشأ في احضان العلوم الدينية الشرعية خدمة لها فلا غرابة ان تأتي متأثرا بها في مفهومه ومنهجه فقد جاء التاريخ من وجهة النظر الدينية مظهرا لتدبير الهي غايته حكم الجنس البشري.
3- مرحلة التفسير النقدي للتاريخ.
يرى الباحثون في ميدان التاريخ أن التاريخ النقدي ميز القرن 19 في اوربا لكن قبل أن تصل الكتابة التاريخية الى مرحلة البروز والنضج التي جعلت من القرن 19 قرن التاريخ داخل اوربا ، فلقد مرت بمراحل متميزة ابتداءا من القرن 16. كان لها دور حاسم في ظهور وبلورة التفسير العلمي او التفسير النقدي للتاريخ ابرز هذه المراحل:
3-1- مرحلة النهضة الاوربية (مرحلة الدولة القومية) : المعروف ان اوربا في هذه الحقبة من تاريخها عاشت احدثا وتطورات بالغة الأهمية كانت أجلاء (ابرز) نتائجها انتقالها من طور التقليد والتبعية الحضرية الى طور الابتكار والإبداع وذلك مايعرف تحت كلمة النهضة الاوربية. ماهو نوع التأثير الذي سيعرفه علم التاريخ؟ ومناهجه ومفاهمه جراء هذه القفزة النوعية التي عاشتها اوربا خلال هذه الأزمنة؟ الجواب على السؤال يقتضي التذكير بأهم الاحداث الإطار العام لهذه الفترة.
فهناك حذث سقوط القسطنطينة بيد العثمانيين سنة 1453م الذي ساعد اوربا الغربية كي تضطلع على مظاهر ومكونات الثقافة الشرقية (الرومانية واليونانية) بسبب ماحمله علماء هذه الدينة الذين نزحو عنها في اتجاه الغرب من وثائق ومخطوطات شكل تلقيحا للفكر الاوربي الغربي سيساعد على الانتشار حدث وهو اكتشاف المطبعة سنة 1454 على يد يوهان كوتن بورغ مما جعل هذه الكتب وغيرها يصبح في متناول القراء وستزداد هذه النظرة الحديثة مع حدث الاكتشافات الجغرافية التي ستوسع نمن نظرة الاوربيين للعالم ذلك ان اكتشاف حضارات جديدة في امريكا واسيا وافريقيا لا تبت بصلة للكنيسة جعلت الانسان الاوربي يفكر بعقله ويشكك في بعض اقوال رجال الدين ويصر على ان تصدر الاحكام عن العقل وليس التقليد الاعمى.
إن هذا التراكم الفكري الجديد جعل الناس يتجرؤون على الكنيسة ويطالبون بإصلاحها هذا بعد أن اصبحت تعيش ازمة فساد مما جعل اوربا تعيش إصلاحا دينيا واكبته حركة الرجوع الى المباديء المسيحية الاولى عن طريق محاولة البحث والتنقيب وتحقيق النصوص القديمة بدءا بالكتاب المقدس وفي نفس الوقت اتجهت شعوب اوربا نحو التجمع على اسس قومية وضمن حدود جغرافية واضحة مما جعل القرن 19 يعرف ظهور الدول الملكية القومية.
جميع هذه الاحداث التي يظهر على انها امتدت حول زمن كبير شكلت عوامل اساسية وراء ماشكلته اوربا من افكار ، فميدان المعرفة عرف تطورات ابرزها تمثل في إحياء التراث القديم الذي كان قد طاله النسيان طيلة العصور الوسطى لنبذه من طرف الكنيسة ومفكريها والذين اهتمو اكثر بهذه العودة الى القديم هم رواد الحركة الانسية لأظهارها مايوجد في الثرات القديم من تأكيد لقيمة الانسان وفي هذا الإطار ابتعدو عن الاثينية وشرعو يكتبون باللغات القومية(اللهجات).
أما فيما يتعلق بعلم التاريخ فإن هذه الحقبة التاريخية التي امتازت بالانتفاض على الوصاية الكنيسة المسيحية .وبالعودة الى الاوصول قبل العصور الوسطى اي الى العصر القديم بدافع الفضول العلمي والبحث عن المصادر بمعنى أن التاريخ سيعود الى طفولته (الفترة القديمة ايام اليونان والرومان). على أن هاته العودة في اتجاه القديم هي التي مهدت الطريق للنظرة الجديدة في كتابة التاريخ وكانت بدايتها هو اكتشاف علم وهو علم اللغة (اللسانيات) الذي اعطى الباحث قواعد وتقنيلات التثبيت والتحري من النصوص التاريخية الصحيحة من تلك التي هي ممتحنة بمعنى ظهور منهج التحقيق وابرز مؤرخي طبق هذه التقنية خلال هذه الفترة هو لوران فالا في قضية جد شائكة تتعلق بالوثيقة التي تبنىي عليها الكنيسة الكاثولوكية اإدعاءاتها أن الامبراطور الروماني في قسطنطين وهب جزءا من امبراطوريته، هذه الوثيقة التي كانت تعتبر السند التاريخي والقانوني الذي تقوم عليه السلطة الزمنية للبابا.
3-2- مرحلة القرن 17 و18 (مرحلة العلوم التجريبية ومرحلة عصر الانوار).
-اجمالا يمكن النظر الى ماقبل القرن 17 و 18 داخل اوربا بمثابة امتداد وتعميق للتطورات التي عرفتها هذه القارة ، فخلال هذه الفترة حققت العلوم الطبيعية تقدما كبيرا بسبب توجه العلماء نحو العلوم التجريبية. إن أهم نتائج هذه الحركة والاكتشافات العلمية هي محاولتها ايجاد وترسيخ اسس التفسير العقلاني للظواهر الطبيعية والانسانية وهو الامر الذي مثل تحديا كبيرا للأفكار والمناهج التقليدية التي كانت تفسر الظواهر على انها معجزات وخوارف وهذا مايتضمنه الخطاب المسيحي للقرون الوسطى ، لقد كان لتطور العلوم التجريبية اثر عميق حيث اوحت بثقة لا متناهية في العقل الانساني واثر دلك في العلوم الانسانية اي حاول منظروها اسقاط تقنيات ووسائل العلم التجريبي عليها ومن ابرز هذه الامثلة الفلسفة وتحديدا فلسفة الانوار التي طبعت القرن18 وجعلت منه قرن الفلسفة او قرن الانوار وقد نعت كذلك اعتبارا لسيادة هذه الفلسفة العقلانية التجريبية المادية التي ترفض الميتافيزيقا والتفسير اللاهوتي، فلسفة تؤمن بالتطور وتسعى للتجديد وهدفها تنوير العقل البرجوازي اساسا والدفاع عنه في اطار صراعه مع النبلاء، هكدا كان رواد فلسفة الانوار (فولتير، مونتيسكيو، ......) هيأو بدعوتهم الى الشك بكل المفاهيم في اطار التغيرات المرتقبة في غرب اوربا ماديا وفكريا (الفلسفة)وسياسيا (البرجوازية). فماهو نصيب التاريخ في ما حصل؟
*خصوصيات الكتابات التاريخية في هذه الفترة. اول مايجب الاشارة اليه هو ان هذه الفترة ستعيش تأثرا قويا للفلسفة في التاريخ ليس من حيث انه ستزدهر فترة التاريخ بل لأنه سيقع نوع من الخلط بين الفكرين من حيث مدلولهما وهدفهما ومن تم فقد اسهم فلاسفة عصر الانوار بأفكار جديدة في ميدان كتابة التاريخ يمكن اجمالها فيمايلي:
1)- توسيع مجال التاريخ: بحيث اصبح يتعدى الكتابة حول الكنيسة والدول والملوك ليشمل تاريخ المجتمع الا عندما يتقاطع والاقتصاد والحضارة في اوسع معانيها فالى غاية هذه الفترة كما يقول اشهر فلاسفة الانوار 'فولتير' "لم يكتب الا تاريخ الملوك اما تاريخ الشعوب فقد بقي مهملا" وقد جسد 'فولتير' في اعماله هذا الاتجاه الجديد وابرز مثال على دلك كتابه الذي عكس افكاره في مجال التاريخ دراسة لتاريخ معال الحضارة بمعناها الحديث.
2)- فلاسفة عصر الانوار هم اول من وسع افق الاوربيين في نصرتهم الى التاريخ إذ لم يعد اهتمامهم محصور في تاريخ اليونان والرومان بل تعداهم الى عدد من
الشعوب الاخرى وحتى الطبيعية واثرها في التاريخ.
3)- كتب مفكرو هذا العصر ونظرو الى تاريخ الانسانية على انه في تقدم اي بإمكان الانسان ان يسير نحو مستقبل افضل، في الوقت الذي يرى فيه المسيحيون ان الامثل والكمال يوجد في ماضي الانسان البعيد ويرى الفكر الاغريقي ان الحضارة البشرية في حركة دائرية.
4)- في كتابتهم ابتعدو (فلاسفة الانوار) عن منهج الحوليات (تناول احداث سنة بعد سنة) وعن السرد لانها لن تعد مناسبة للمواضيع المتناولة فلم يعد التاريخ عندهم يسرا على الاشخاص او تاريخ منجزاتهم ولم يعد الحدث السياسي وحده الجدير بالتدوين بل تم تجاوزه الى اوجه النشاط البشري من علوم وفنون وفلسفة واقتصاد فالتاريخ الحق عندهم هو تاريخ الفكر الدي يكشف عن تقدم الغقل البشري ومن تم اصبحت وحدة الدراسة عند مفكري هذا العصر هي الحضارة .وتقوم كتاباتهم على منهجية تفرض على المؤرخ ان يتحلى بروح نقدية تحليلية بناء على مايقبله العقل فقط.هل بالامكان الاعتماد على العقل وحده لكتابة التاريخ؟ بمعنى آخر هل مع احداث الماضي تحيزان نعتمد على العقل فقط فكل ماقبله العقل فهو تاريخ وكل مارفضه العقل ليس بتاريخ؟
-ادا نظرنا الى التاريخ في فترة القرن 18 التي اصطبغ بطابع فلسفة الانوار على انه شكل حلقة من حلقات التاريخ النقدي الا ان المباديء المنهاجية التي اقتنعتها فلسفة الانوار بقصد اعتمادها في مجال التاريخ لم تكن كافية لأن تجعل منه علما حقيقيا ولعل مرد ذلك الى كون المنهج الدي تناولت به فلسفت الانوار التاريخ يبقى بعيدا عن المنهج التاريخي المتوخى ، فإدا نظرنا الى مفهموم التاريخ عند ارز فلاسفة الانوار فولتير فهو لا يهمه الحدث وانما تطور الافكار من فنون وعلوم ... يعني كيف انتقل الانسان من حالة بدائية الى حالة متحضرة متطورة . لقد استعمل "فولتير" اساسا المنهج العلمي وهو النقد لكن ليس النقد التاريخي النقد المبني على العقل بمعنى انه تصرف في كتابته بشكل جعله لا يقبل من احداث التاريخ او من احداث الماضي الا مايقبله العقل اما ما لا يقبله هذا الاخير فهو غير مقبول وبالتالي فهو ليس بتاريخ ومن تم جاء تناول فلسفة الانوار للتاريخ وتعليلها له مقبولا فلسفيا لكنه مرفوض من ناحية المنهج التاريخي اي ان هذه الفلسفة كتبت كثيرا في التاريخ بعقلية غير تاريخية.
3-3 مرحلة التفسير النقدي (القرن 19).
مفهوم التاريخ في القن 19 : في سنة 1876 جاء اول عدد من المجلة التاريخية قولة لأحد رواد الحركة التاريخية وهو كابريال مونود "قرننا قرن التاريخ" بمعنى ان هدا القرن سيشكل العصر الدهبي للدراسات التاريخية على غرار ماشكلته الدراسات الفلسفية خلال القرن 18 ماهي دلالة هذه القولة؟ وماهي مفسراتها؟ ذلك ماسنحاول الاجابة عنه بدءا بهذه الملاحظات العامة.
لقد تلازم مفهوم الثقافة الاوربية المعاصرة بالتطورات الكمية والنوعية داخل المجتمعات الاوربية فالتاريخ كمفهوم ومنهج لم يكن حدثا معزولا وانما معطى تاريخي ساهمت في بلورته المعطيات العامة.
ان اهم مايميز تاريخ اوربا خلال القرن 19 هو نضج العديد من المعطيات التاريخية وبروزها بشكل واضح ويكون هذا القرن تبعا لذلك فترة تطور وتجاوز في آن واحد بل هناك من المؤرخين من يقر بأن القرن 19 يمثل طفرة نوعية وكمية من سيرورة تاريخ اوربا الطويل.
ان القرن 19 هو مرحلة الثورات السياسية البرجوازية في اتجاه بناء الديمقراطية الليبرالية المبنية على اساس التعاقد بين الحاكم والمحكوم ومرحلة المد القومي داخل اوربا واقتصاد الوعي الوطنيالواحد المبني على القومية الواحدة عكس النمودج القديم للدول الذي مثلته الامبراطورية بمكوناتها القومية المختلفة. على ان هذا القرن عرف ايضا تطورات هامة في الميادين الاخرى خاصة المادية حيث دخلت اوربا عصر الاقتصاد العصري المبني على انجازات الصناعة والتطورات الفكر الاقتصادي عبر ماعاشته من ثورة صناعية وفكرية عموما.
ادن فالقرن 19 يعد قرن نضج التراكمات وقرن التطور والتجاوز
اجمالا فالفكر الاوربي مافتىء يتطور تبعا لما تعرفه القارة الاوربية من متغيرات وتطورات مست مختلف عناصر بنيتها ، والتاريخ عنصر من هذا الواقع الجديد خاصة الفكري منه واكب هذه الحركة وفي هذا الاطار ستوظف جميع الجهود التي بذلت خلال القرون السابقة لتنشيط الكتابة التاريخية لدرجة صح معها قول "اوكيستان تيري" في مقدمة كتابه بعنوان عشرة سنوات من الكتابة التاريخية عندما قال ' منذ 1823 بدأنا نشعر بنفحة ثةرية تمس جميع فروع الادب... اني سعيد برؤية ماكنت اتمناه كثيرا فقد اخدت الاعمال التاريخية تتبوء مكانة عالية ومهمة لذا الاوساط الشعبية ، والكتاب والمرعوفون يتعاطزنها... جميع هذه الجهود والكفاءات فتحت المجال امام رأي اصبح شائعا مفاده ان التاريخ اصبح القرن على غرار القرن 18 الذي حمل طابع الفلسفة'.
لقد جاء هذا التطور نتيجة شروط خاصة تزامنت خلالها التراكمات الكمية والنوعية بمنطلق عبور: للإستغرافية او للتاريخ بالتغيرات والتحولات التي شهدتها اوربا اقتصادية وثقافية وسياسية الى المحور الثاني معنى ان الكتابة التاريخية ستعيش زخما وستعرف عدة اتجاهات اتخدت صبغة مدارس تاريخية...
المدارس التاريخية:
المدرسة الوضعانية: الظاهر انه لن يتم فهم التوجهات الحديثة للبحث التاريخي عامة الا إدا وضعناها في اطار اكثر شمولية للأسس النظرية وللمارسات التاريخية منذ القرن 19 الى القرن 20 طبعا لقد سبق ورأينا كيف اصبح القرن 19 قرن التاريخ بمعنى ان هذا الفرع المعرفي قد طبع الفكر الاوربي بشكل عام وطغى على الدراسات خلال الفترة وبمعنى اخر فان التاريخ قد استقل بداته وكون لنفسه منهجا لجميع مقوماته. وتعتبر المدرسة الوضعانية التجسيد النمودجي للتطور الذي عرفه التاريخ ومنهجه خلال القرن 19 وبداية القرن 20 فماهي منطلقاتها المنهجية؟
اجابة: ظهرت المدرسة التاريخية المسماة بالمدرسة المنهجية الوضعانية في القرن 19 ونجد اسسها النظرية وخطوطها العامة بيانها الذي بلور واصدر " كابريل مونو" صاحب قولة "قرننا قرن التاريخ" عندما اشأ المجلة التاريخية في 1876 وتهدف هذه المدرسة الى وضع اسس للبحث التاريخي يضع جانبا كل محاولة وتفسير فلسفي ، كما ترمي اساسا الى الوصول الى موضوعية مطلقة في مجال البحث وكتابة التاريخ ، وتضمن هذه المدرسة انه من الممكن الوصول الى هذه الاهداف عبر استعمال تقنيات صارمة في ما يخص جميع المصادر والوثائق ونقدها وتنظيم المهام العلمية لدى المؤرخين وقد ساهم المؤرخون الوضعانيون في اصلاح التعليم العالي من القرن 19 وبداية القرن 20 لأنهم شغلو ا المناصب العليا في الجامعات واشرفو على اصدار العديد من الكتب التاريخية وخلال هذه الفترة ظهر احد كبار المؤرخين وهو الالماني الذي وضع اسس المدرسة الوضعانية ويعتبر شيخها ليوبول فون رانكي عاش 1795-1886 كان رانكي استاذا بجامعة برلين حيث برز ضمن كبار المؤرخين الجامعيين الالمان انداك والذين كان ينظر اليهم كشيوخ وخلال السنوات التي وضع فيها اوكست كونط اسس الفلسفة الوضعانية واكتشف هيجل المثالية التاريخية المطلقة او التاريخانية المثالية واكتشف ماركس المادية التاريخية فإن رانكي اكد على اهمية الحدث التاريخي المتضمن اساسا من العلاقات في الحيز الزمني القصير كما اعلن ان فائدة المؤرخ وهدفه يكمن في معرفته للحدث وان صناعة المؤرخ في دات الوقت اصبحت لها قواعد تمارس ، فماهي هذه القواعد حسب رانكي .
لقد واجه رانكي فلاسفة زمنه ومنظري مختلف المدارس الفكرية بالدفاع عن قضيته وهي اهمية الاحداث حيث يرى هذا المؤرخ ان الحدث هو وحده القابل للفهم اذ على المؤرخ ان يكتفي بالكشف عن الحدث فحاز منه القصير . يرى رانكي ان كتابة التاريخ يجب ان تعتمد على ترسانة من الوثائق حتى يتسنى للمؤرخ الا يكتب الا مايمكنه ان يتأكد من وجوده في الوثائق فليس هدف المؤرخ استخراج قوانيين وليس الادلاء بالاسباب العامة للاحداث بل المطلوب منه هو ان يبين للقارىء كيف وقعت الاحداث بكل دقة دون زيادة ولا نقصان بمعنى انه يقوم بمنهج يجمع بين البحث في الوثائق واستغلالها في كتابة التاريخ الذي يحكي ويفسر والذي لا يصدر احكامه ولا يتفلسف والذي يأخد مادته الاولية عن المصادر الاصلية.
لكن هذه الوثائق يجب تحقيقها واخضاعها لعملية النقد بناءا على تقنيات مختلفة واثنار الكتابة يجب الاهتمام بضبط الوقائق من خلال الاحالات والهوامش التي تحيل على الوثائق التي اقتبس منها الفكرة لهدم عدم التفوه الا بماهو واقعي اي كلام موثق.
رانكي بذلك يؤسس التاريخ كعلم وضعاني او كعلم ايجابي حيث يرى ان هدف المؤرخ ليس استخراج القوانيين ولا الاسباب العامة انما بكل بساطة لكن بصعوبة هو بيان او الكشف كيف حدث ذلك بالضبط.
وهكدا اعتمد رانكي هذا المنهج الصارم وعلى اساسه خلف عدد كبير من الدراسات التاريخية جعلت منه مؤرخ كبير بل زعيم المؤرخيين من الازمنة الحديثة بدون منازع، على كل تميزت هذه المدارس الوضعانية على المنهج (...) مما دفع المتخصصين التي بعثها بمرحلة التاريخ النقدي متوخيا الالتزام بالموضوعية وفي هذا الصدد يقول رانكي متوجها بالنصح للمؤرخين وهذا كلامه " احكي ماوقع بالضبط بل ان الالتزام بالموضوعية، عندما يلقى المؤرخ بقلمه عند الانتهاء من عمله عليه ان يكون قادرا على ان يشهد امام الله ان لم يقل الا الواقع".
فإدا كان روسي مؤسس هذه المدرسة فان الفرنسيين لونج لوا وسيلوز دعما هدا التاسيس واكملاه بمبادرتهما المتمثلة في كتابهما الصادر سنة 1898م عنوان هذا الكتاب "مدخل الى الدراساتالتاريخية" ماهو هدف هذه المدرسة من خلال هذا الكتاب؟
الى وضع اسس البحث العلمي التاريخي.هذه الاسس تضع جانبا كل محاولة فلسفية يرمي للوصول الى موضوعية مطلقة في هذا المجال (البحث التاريخي). وبذلك ساهمت هذه المدرسة الوضعانية مساهمة حاسمة في اضفاء الطابع العلمي على مجال البحث التاريخي . وذلك بخلق او بإنشاء نوع من القطيعة مع البحث التاريخي الذي كان يعتمد اولا التفسيرات الميتافيزيقا الاهوتية من منظور تعاليم الديانة المسيحية. كما انها تركت جانبا فلسفة التاريخ كما صاغها هيجل في قوله بالمثالية او كما صاغها رواد الانوار (فولتير) او منظور ادبي ميشيل ادن فالمدرسة الوضعانية حققت قطيعة ابستيمولوجية بأبعادها التغيرات الدينية والتطورات العقلانية وحتى الحتمية الماركسية.ماهي مطالب المدرسة الوضعانية كما جاء في كتاب لولوا وسيولوز؟ يقولان فالتاريخ هو استخدام او استعمال الوثائق؟ هذه المقولة تعني ان هناك نظرية معرفية علاقة بين الدات (الكاتب) والموضوه (الوثيقة).
فإن المدرسة الةضعانية تتجاهل مبدئيا الدور الحاسم للتساؤلات التي يمكن ان يطرحها المؤرخ على وثائقه وتدعو بالمقابل الى اختفاء المؤرخ وراء وثائقه او نصوصه التاريخية الوثائق حسب لولوا هي الاثار التي خلفتها افكار السلف وافعالهم من بين الافكار والممارسات الانسانية هناك القلة القليلة التي تركت لنا اثارا ملموسة وهذه الاثار هي قليلة بل من شأنها ان تزول الى الابد اذ يمكن لحدث واحد ان يمحوها او يزيلها من الوجود فبالنسبة لهم كل فكر وكل حضارة لم تترك اثارا تاريخية بشكل مباشر او غير مباشر فهذا الفكر وهذه الحضارة تخرج من حيز التاريخ ' وحيث لا وثائق فلا تاريخ' فالمؤرخان يوضحان ان الاثار التي تخلفت عن الفر والعمل الانساني القديم هي الوثائق المكتوبة فهما يدخلان في عداد الوثيقة ماهو غير مكتوب فهذا مفهوم ضيق للوثيقة سيطبقونه في مجال او حقل البحت التاريخي او عمل المؤرخ فالتاريخ بالنسبة لهم ماهو الا عملية جمع وجرد للوثائق واخراجها الى الوجود وقد وسط (بتضعيف السين) في كتابهما المذكور الخطوات الضرورية لكل باحث في ميدان التاريخ فماهي هذه الخطوات؟
هذه الطريقة التي اقترحها لولوا وسيولوز تندرج عبر مراحل وهي مايمكن تسميتها بمرحلة جمع الوثائق فالبحث عن الوثائق والتنقيب عنها وتنظيمها وفهرستها هذا العمل يعتبر في نظر المدرسة الوظيفية الرئيسية الاولى في عمل كل مؤرخ ادن ان هدا الشغف بالوثائق قد كان وراء ظهور خزانات وتنظيمها وظهور قوائم
يتبع...